الجمعة، 27 يونيو 2014

تدبر آية (٤٨)

🔆 تدبر آية (٤٨)  🔆

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة -  ١٣٨] 
 
🔸يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، فرض الله عليكم الصيام كما فرضه على الأمم قبلكم؛ لعلكم تتقون ربكم، فتجعلون بينكم وبين المعاصي وقاية بطاعته وعبادته وحده.
(التفسير الميسر)
 
🔹يعني بقوله: {كتب عليكم الصيام}، فرض عليكم الصيام.
(الطبري)
 
🔹الصوم في الشرع: الإمساك عن المفطرات مع اقتران النية به من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وتمامه وكماله باجتناب المحظورات وعدم الوقوع في المحرمات، لقوله عليه السلام: من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه.
(القرطبي)
 
🔹{كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}
يخبر تعالى بما منَّ به على عباده، بأنه فرض عليهم الصيام، كما فرضه على الأمم السابقة، لأنه من الشرائع والأوامر التي هي مصلحة للخلق في كل زمان.
وفيه تنشيط لهذه الأمة، بأنه ينبغي لكم أن تنافسوا غيركم في تكميل الأعمال، والمسارعة إلى صالح الخصال، وأنه ليس من الأمور الثقيلة، التي اختصيتم بها.
ثم ذكر تعالى حكمته في مشروعية الصيام فقال: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} فإن الصيام من أكبر أسباب التقوى، لأن فيه امتثال أمر الله واجتناب نهيه.
فمما اشتمل عليه من التقوى: أن الصائم يترك ما حرم الله عليه من الأكل والشرب والجماع ونحوها، التي تميل إليها نفسه، متقربا بذلك إلى الله، راجيا بتركه، ثوابه، فهذا من التقوى.
ومنها: أن الصائم يدرب نفسه على مراقبة الله تعالى، فيترك ما تهوى نفسه، مع قدرته عليه، لعلمه باطلاع الله عليه، ومنها: أن الصيام يضيق مجاري الشيطا،, فإنه يجري من ابن آدم مجرى الدم، فبالصيام، يضعف نفوذه، وتقل منه المعاصي، ومنها: أن الصائم في الغالب، تكثر طاعته، والطاعات من خصال التقوى، ومنها: أن الغني إذا ذاق ألم الجوع، أوجب له ذلك، مواساة الفقراء المعدمين، وهذا من خصال التقوى.
(ابن سعدي)

الخميس، 19 يونيو 2014

تدبر آية (٤٧)

{يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} [الزلزلة - ٤ و٥]
 
يوم القيامة تخبر الأرض بما عُمل عليها من خير أو شر، وبأن الله سبحانه وتعالى أمرها بأن تخبر بما عُمل عليها.
(التفسير الميسر)
 
{يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ} الأرض {أَخْبَارَهَا} أي: تشهد على العاملين بما عملوا على ظهرها من خير وشر، فإن الأرض من جملة الشهود الذين يشهدون على العباد بأعمالهم، ذلك {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} [أي] وأمرها أن تخبر بما عمل عليها، فلا تعصى لأمره.
(ابن سعدي)
 
في الترمذي عن أبي هريرة قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية {يومئذ تحدث أخبارها} قال: "أتدرون ما أخبارها -قالوا الله ورسوله أعلم-، قال: فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها، تقول عمل يوم كذا كذا وكذا.
قال: "فهذه أخبارها". قال: هذا حديث حسن صحيح.
(القرطبي)
 
قوله {يومئذ تحدث أخبارها} التحديث هنا صريح في الحديث وهو على حقيقته؛ لأن في ذلك اليوم تتغير أوضاع كل شيء وتظهر حقائق كل شيء، وكما أنطق الله الجلود ينطق الأرض، فتحدث بأخبارها.
(أضواء البيان)

الاثنين، 16 يونيو 2014

تدبر آية (٤٦)

{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران - ١٧٣] 
 
وهم الذين قال لهم بعض المشركين: إن أبا سفيان ومن معه قد أجمعوا أمرهم على الرجوع إليكم لاستئصالكم، فاحذروهم واتقوا لقاءهم، فإنه لا طاقة لكم بهم، فزادهم ذلك التخويف يقينًا وتصديقًا بوعد الله لهم، ولم يَثْنِهم ذلك عن عزمهم، فساروا إلى حيث شاء الله، وقالوا: {حسبنا الله} أي: كافينا، {ونِعْم الوكيل} المفوَّض إليه تدبير عباده.
(التفسير الميسر)
 
لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من "أحد" إلى المدينة، وسمع أن أبا سفيان ومن معه من المشركين قد هموا بالرجوع إلى المدينة، ندب أصحابه إلى الخروج، فخرجوا -على ما بهم من الجراح- استجابة لله ولرسوله، وطاعة لله ولرسوله، فوصلوا إلى "حمراء الأسد" وجاءهم من جاءهم وقال لهم: {إن الناس قد جمعوا لكم} وهموا باستئصالكم، تخويفا لهم وترهيبا، فلم يزدهم ذلك إلا إيمانا بالله واتكالا عليه.
{وقالوا حسبنا الله} أي: كافينا كل ما أهمنا {ونعم الوكيل} المفوض إليه تدبير عباده، والقائم بمصالحهم.
(ابن سعدي)
 
قال البخاري.. عن ابن عباس: {حسبنا الله ونعم الوكيل} قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا: {إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل}.
(ابن كثير)

تدبر آية (٤٥)

{مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [لقمان - ٢٨] 
 
ما خَلْقُكم -أيها الناس- ولا بَعْثُكم يوم القيامة في السهولة واليسر إلا كخَلْق نفس واحدة وبَعْثها، إن الله سميع لأقوالكم، بصير بأعمالكم، وسيجازيكم عليها.
(التفسير الميسر)
 
{ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة} قال الضحاك: المعنى ما ابتداء خلقكم جميعا إلا كخلق نفس واحدة، وما بعثكم يوم القيامة إلا كبعث نفس واحدة. قال النحاس: وهكذا قدره النحويون بمعنى إلا كخلق نفس واحدة؛ مثل: واسأل القرية. وقال مجاهد: لأنه يقول للقليل والكثير كن فيكون.
(القرطبي)
 
قوله: {إن الله سميع بصير} أي: كما هو سميع لأقوالهم بصير بأفعالهم كسمعه وبصره بالنسبة إلى نفس واحدة كذلك قدرته عليهم كقدرته على نفس واحدة؛ ولهذا قال: {ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة [إن الله سميع بصير]}.
(ابن كثير)
 
قال الزجاج أي: قدرة الله على بعث الخلق كلهم وعلى خلقهم كقدرته على خلق نفس واحدة وبعث نفس واحدة {إن الله سميع} لكل ما يسمع {بصير} بكل ما يبصر.
(فتح القدير)

تدبر آية (٤٤)

{الأَخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف - ٦٧] 
 
الأصدقاء على معاصي الله في الدنيا يتبرأ بعضهم من بعض يوم القيامة، لكن الذين تصادقوا على تقوى الله، فإن صداقتهم دائمة في الدنيا والآخرة.
(التفسير الميسر)
 
الأخلاء: جمع خليل، وهو الصاحب الملازم، قيل: إنه مشتق من التخلل لأنه كالمتخلل لصاحبه والممتزج به.
(ابن عاشور)
 
قوله: {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين} أي: كل صداقة وصحابة لغير الله فإنها تنقلب يوم القيامة عداوة إلا ما كان لله عز وجل، فإنه دائم بدوامه. وهذا كما قال إبراهيم عليه السلام لقومه: {إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين}.
(تفسير ابن كثير)
 
عن مجاهد، في قوله: {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين} فكل خلة على معصية الله في الدنيا متعادون.
وعن ابن عباس: فكل خلة هي عداوة إلا خلة المتقين.
(الطبري)

الأربعاء، 11 يونيو 2014

تدبر آية (٤٣)

{وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ} [الروم - ٢٢] 
 
ومن دلائل القدرة الربانية: خَلْقُ السموات وارتفاعها بغير عمد، وخَلْقُ الأرض مع اتساعها وامتدادها، واختلافُ لغاتكم وتباينُ ألوانكم، إن في هذا لَعبرة لكل ذي علم وبصيرة.
(التفسير الميسر)
 
ومن آياته خلق السماوات والأرض فإن من خلق هذه الأجرام العظيمة التي هي أجرام السماوات والأرض وجعلها باقية ما دامت هذه الدار وخلق فيها من عجائب الصنع وغرائب التكوين ما هو عبرة للمعتبرين قادر على أن يخلقكم بعد موتكم وينشركم من قبوركم واختلاف ألسنتكم أي : لغاتكم من عرب وعجم ، وترك ، وروم وغير ذلك من اللغات، وألوانكم من البياض والسواد والحمرة والصفرة والزرقة والخضرة مع كونكم أولاد رجل واحد وأم واحدة، ويجمعكم نوع واحد وهو الإنسانية، وفصل واحد وهو الناطقية، حتى صرتم متميزين في ذات بينكم لا يلتبس هذا بهذا، بل في كل فرد من أفرادكم ما يميزه عن غيره من الأفراد، وفي هذا من بديع القدرة ما لا يعقله إلا العالمون، ولا يفهمه إلا المتفكرون إن في ذلك لآيات للعالمين الذين هم من جنس هذا العالم من غير فرق بين بر وفاجر.
(الشوكاني)
 
أرأيت توأمين متشابهين لا يتميز عندك أحدهما عن الأخر إلا بجهد؟ عند ذلك تعرف نعمة الله تعالى في الاختلاف التي ذكرها في قوله: {ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين} فتأمل.
(السخاوي)

تدبر آية (٤٢)

{نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ} [الواقعة - ٧٣] 
 
نحن جعلنا ناركم التي توقدون تذكيرًا لكم بنار جهنم ومنفعة للمسافرين.
(التفسير الميسر)
 
{نحن جعلناها تذكرة} [يعني نار الدنيا] تذكرة للنار الكبرى إذا رآها الرائي ذكر جهنم قاله عكرمة ومجاهد ومقاتل. وقال عطاء: موعظة يتعظ بها المؤمن.
(البغوي)
 
فإن الحاضر والبادي من غني وفقير الكل محتاجون للطبخ والاصطلاء والإضاءة وغير ذلك من المنافع. ثم من لطف الله تعالى أن أودعها في الأحجار، وخالص الحديد بحيث يتمكن المسافر من حمل ذلك في متاعه وبين ثيابه، فإذا احتاج إلى ذلك في منزله أخرج زنده وأورى، وأوقد ناره فأطبخ بها واصطلى، واشتوى واستأنس بها، وانتفع بها سائر الانتفاعات. فلهذا أفرد المسافرون وإن كان ذلك عاما في حق الناس كلهم. وقد يستدل له بما رواه الإمام أحمد وأبو داود من حديث أبي خداش حبان بن زيد الشرعبي الشامي، عن رجل من المهاجرين من قرن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المسلمون شركاء في ثلاثة : النار والكلأ والماء".
(ابن كثير)
 
قال ابن القيم رحمه الله في طريق الهجرتين:
وخص المقوين بالذكر وإن كانت منفعتها عامة للمسافرين والمقيمين تنبيهًا لعباده -والله أعلم بمراده من كلامه- على أنهم كلهم مسافرون، وأنهم فى هذه الدار على جناح سفر ليسوا هم مقيمين ولا مستوطنين، وأنهم عابرو سبيل وأبناء سفر.

تدبر آية (٤١)

{قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} [القصص -  ١٧] 
 
قال موسى: ربِّ بما أنعمت عليَّ بالتوبة والمغفرة والنعم الكثيرة، فلن أكون معينًا لأحد على معصيته وإجرامه.
(التفسير الميسر)
 
أي: لا أعين أحدا على معصية، وهذا وعد من موسى عليه السلام، بسبب منة اللّه عليه، أن لا يعين مجرما، كما فعل في قتل القبطي. وهذا يفيد أن النعم تقتضي من العبد فعل الخير، وترك الشر.
(ابن سعدي)
 
وقد جعل جمهور من السلف هذه الآية حجة على منع إعانة أهل الجور في شيء من أمورهم. ولعل وجه الاحتجاج بها أن الله حكاها عن موسى في معرض التنويه به فاقتضى ذلك أنه من القول الحق .
(ابن عاشور)
 
قال عطاء: فلا يحل لأحد أن يعين ظالما ولا يكتب له ولا يصحبه، وأنه إن فعل شيئا من ذلك فقد صار معينا للظالمين وفي الحديث: ينادي مناد يوم القيامة: أين الظلمة وأشباه الظلمة وأعوان الظلمة حتى من لاق لهم دواة أو برى لهم قلما فيجمعون في تابوت من حديد فيرمى به في جهنم.
(تفسير القرطبي)

تدبر آية (٤٠)

{يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [الطارق - ٩]
 
يوم تُخْتَبر السرائر فيما أخفته، ويُمَيَّز الصالح منها من الفاسد.
(التفسير الميسر)
 
أي: يوم القيامة تبلى فيه السرائر، أي: تظهر وتبدو، ويبقى السر علانية والمكنون مشهورا. وقد ثبت في الصحيحين، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يرفع لكل غادر لواء عند استه يقال: هذه غدرة فلان بن فلان".
(ابن كثير)
 
أي: تختبر سرائر الصدور، ويظهر ما كان في القلوب من خير وشر على صفحات الوجوه قال تعالى:  يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ  ففي الدنيا، تنكتم كثير من الأمور، ولا تظهر عيانًا للناس، وأما في القيامة، فيظهر بر الأبرار، وفجور الفجار، وتصير الأمور علانية.
(ابن سعدي)
 
وفي التعبير عن الأعمال بالسر لطيفة، وهو أنَّ الأعمال نتائج السرائر الباطنة، فمن كانت سريرتهُ صالحة، كان عمله صالحًا، فتبدو سريرته على وجهه نورًا وإشراقًا وحياء، ومن كانت سريرته فاسدة، كان عمله تابعًا لسريرته، لا اعتبار بصورته، فتبدو سريرته على وجهه سوادًا وظلمة وشينًا، وإن كان الذي يبدو عليه في الدنيا إنما هو عمله لا سريرته، فيوم القيامة تبدو عليه سريرته، ويكون الحكم والظهور لها.
(ابن القيم - بدائع التفسير)

الخميس، 5 يونيو 2014

تدبر آية (٣٩)

{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة - ٢٤] 
 
وجعلنا من بني إسرائيل هداة ودعاة إلى الخير، يأتمُّ بهم الناس، ويدعونهم إلى التوحيد وعبادة الله وحده وطاعته، وإنما نالوا هذه الدرجة العالية حين صبروا على أوامر الله، وترك زواجره، والدعوة إليه، وتحمُّل الأذى في سبيله، وكانوا بآيات الله وحججه يوقنون.
(التفسير الميسر)
 
{وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا} قال قتادة وسفيان: لما صبروا عن الدنيا: وكذلك قال الحسن بن صالح.
قال سفيان: هكذا كان هؤلاء، ولا ينبغي للرجل أن يكون إماما يقتدى به حتى يتحامى عن الدنيا.
(ابن كثير)
 
وفي هذا تعريض بالبشارة لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم يكونون أئمة لدين الإسلام وهداة للمسلمين إذ صبروا على ما لحقهم في ذات الله من أذى قومهم وصبروا على مشاق التكليف ومعاداة أهلهم وقومهم وظلمهم إياهم.
(ابن عاشور)
 
سأل رجل الشافعي رحمه الله فقال: يا أبا عبد الله، أيهما أفضل للرجل: أن يُمكن فيشكر الله عز وجل؟ أو يبتلى فيصبر؟ فقال الشافعي: لا يُمكَّن حتى  يبتلى، فإن الله ابتلى نوحًا وإبراهيم ومحمدًا صلوات الله عليهم أجمعين، فلما صبروا مكنهم الله فلا يظن أحد أن يخلص من الألم البتة.
(الفوائد لابن القيم)

تدبر آية (٣٨)

{لا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ} [النحل - ٢٣] 
 
حقًا أنَّ الله يعلم ما يخفونه مِن عقائد وأقوال وأفعال، وما يظهرونه منها، وسيجازيهم على ذلك، إنه عز وجل لا يحب المستكبرين عن عبادته والانقياد له، وسيجازيهم على ذلك.
(التفسير الميسر)
 
{إنه لا يحب المستكبرين} يقول: إن الله لا يحب المستكبرين عليه أن يوحدوه ويخلعوا ما دونه من الآلهة والأنداد.
(تفسير الطبري)
 
{إنه لا يحب المستكبرين} أي لا يثيبهم ولا يثني عليهم. وعن الحسين بن علي أنه مر بمساكين قد قدموا كسرا بينهم وهم يأكلون فقالوا: الغذاء يا أبا عبد الله، فنزل وجلس معهم وقال: {إنه لا يحب المستكبرين} فلما فرغ قال: قد أجبتكم فأجيبوني؛ فقاموا معه إلى منزله فأطعمهم وسقاهم وأعطاهم وانصرفوا.
قال العلماء: وكل ذنب يمكن التستر منه وإخفاؤه إلا الكبر؛ فإنه فسق يلزمه الإعلان، وهو أصل العصيان كله. وفي الحديث الصحيح إن المستكبرين يحشرون أمثال الذر يوم القيامة يطؤهم الناس بأقدامهم لتكبرهم. أو كما قال صلى الله عليه وسلم: تصغر لهم أجسامهم في المحشر حتى يضرهم صغرها وتعظم لهم في النار حتى يضرهم عظمها.
(تفسير القرطبي)

تدبر آية (٣٧)

{وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأعراف - ٢٠٠] 
 
وإما يصيبنَّك -أيها النبي- من الشيطان غضب أو تُحِس منه بوسوسة وتثبيط عن الخير أو حث على الشرِّ، فالجأ إلى الله مستعيذًا به، إنه سميع لكل قول، عليم بكل فعل.
(التفسير الميسر)
 
قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: لما نزل: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا رب، كيف بالغضب؟" فأنزل الله: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم}.
قلت: وقد تقدم في أول الاستعاذة حديث الرجلين اللذين تسابا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، فغضب أحدهما حتى جعل أنفه يتمزع غضبا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم". فقيل له، فقال: ما بي من جنون.
(ابن كثير)
 
عن قتادة، قوله: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم} قال: علم الله أن هذا العدو منيع ومريد.
(تفسير الطبري)
 
معنى {ينزغنك}: يصيبنك ويعرض لك عند الغضب وسوسة بما لا يحل. {فاستعذ بالله} أي اطلب النجاة من ذلك بالله. فأمر تعالى أن تدفع الوسوسة بالالتجاء إليه والاستعاذة به؛ ولله المثل الأعلى. فلا يستعاذ من الكلاب إلا برب الكلاب. وقد حكي عن بعض السلف أنه قال لتلميذه: ما تصنع بالشيطان إذا سول لك الخطايا؟ قال: أجاهده. قال: فإن عاد؟ قال: أجاهده. قال: فإن عاد؟ قال: أجاهده. قال: هذا يطول، أرأيت لو مررت بغنم فنبحك كلبها ومنعك من العبور ما تصنع؟ قال: أكابده وأرده جهدي. قال: هذا يطول عليك، ولكن استغث بصاحب الغنم يكفه عنك.
(تفسير القرطبي)

الثلاثاء، 3 يونيو 2014

تدبر آية (٣٦)

{وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا} [الجن - ١٦ و١٧] 
 
وأنه لو سار الكفار من الإنس والجن على طريقة الإسلام، ولم يحيدوا عنها لأنزلنا عليهم ماءً كثيرًا، ولوسَّعنا عليهم الرزق في الدنيا؛ لنختبرهم: كيف يشكرون نعم الله عليهم؟ ومن يُعرض عن طاعة ربه واستماع القرآن وتدبره، والعمل به يدخله عذابًا شديدًا شاقًّا.
(التفسير الميسر)
 
في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أخوف ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من زهرة الدنيا. قالوا: وما زهرة الدنيا؟ قال: بركات الأرض وذكر الحديث . وقال عليه السلام: فوالله ما الفقر أخشى عليكم، وإنما أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم.
(القرطبي)
 
قال أبو سليمان الداراني: من صفى صفي له ومن كدر كدر عليه، ومن أحسن في ليله كوفىء في نهاره، ومن أحسن في نهاره كوفىء في ليله.
واعلم وفقك الله أنه لا يحس بضربة مبنج، وإنما يعرف الزيادة من النقصان المحاسب لنفسه ومتى رأيت تكديراً في حال فاذكر نعمة ما شكرت، أو زلة قد فعلت، واحذر من نفار النعم، ومفاجأة النقم، ولا تغتر بساط الحلم، فربما عجل انقباضه.
(صيد الخاطر لابن الجوزي)

تدبر آية (٣٥)

{وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} [الكهف - ١٤] 
 
وقوَّينا قلوبهم بالإيمان، وشددنا عزيمتهم به، حين قاموا بين يدي الملك الكافر، وهو يلومهم على تَرْكِ عبادة الأصنام فقالوا له: ربنا الذي نعبده هو رب السموات والأرض، لن نعبد غيره من الآلهة، لو قلنا غير هذا لكُنَّا قد قلنا قولا جائرًا بعيدًا عن الحق.
(التفسير الميسر)
 
قوله تعالى {وربطنا على قلوبهم} عبارة عن شدة عزم وقوة صبر، أعطاها الله لهم حتى قالوا بين يدي الكفار {ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا}. ولما كان الفزع وخور النفس يشبه بالتناسب الانحلال حسن في شدة النفس وقوة التصميم أن يشبه الربط؛ ومنه يقال: فلان رابط الجأش، إذا كان لا تفرق نفسه عند الفزع والحرب وغيرها.
(القرطبي)
 
أي ثبتنا قلوبهم وقويناها على الصبر، حتى لا يجزعوا ولا يخافوا من أن يصدعوا بالحق، ويصبروا على فراق الأهل والنعيم، والفرار بالدين في غار في جبل لا أنيس به، ولا ماء ولا طعام.
ويفهم من هذه الآية الكريمة: أن من كان في طاعة ربه جل وعلا أنه تعالى يقوي قلبه، ويثبته على تحمل الشدائد، والصبر الجميل.
(أضواء البيان)
 
فإن هؤلاء كانوا بين قومهم الكفار في خدمة ملكهم الكافر. فما هو إلا أن وجدوا حقيقة الإيمان والتوفيق. وذاقوا حلاوته. وباشر قلوبهم. فقاموا من بين قومهم، وقالوا {ربنا رب السماوات والأرض} الآية.
والربط على قلوبهم: يتضمن الشد عليها بالصبر والتثبيت، وتقويتها وتأييدها بنور الإيمان، حتى صبروا على هجران دار قومهم، ومفارقة ما كانوا فيه من خفض العيش. وفروا بدينهم إلى الكهف.
(مدارج السالكين لابن القيم)