الأربعاء، 28 مايو 2014

تدبر آية (٣٤)

{خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ} [الواقعة - ٣]

هي خافضة لأعداء الله في النار، رافعة لأوليائه في الجنة.
(التفسيرالميسير)

قال محمد بن كعب: خفضت أقواما كانوا في الدنيا مرفوعين، ورفعت أقواما كانوا في الدنيا مخفوضين، والعرب تستعمل الخفض والرفع في المكان والمكانة والعز والإهانة، ونسبة الخفض والرفع إليها على طريق المجاز، والخافض الرافع في الحقيقة هو الله سبحانه.
(فتح القدير)

{خافضة رافعة } يعني هي خافضة رافعة، أي: يخفض فيها الناس ويرفع فيها آخرون. ولكن من الذي يرفع؟ قال الله عز وجل: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} فأهل العلم والإيمان هم الذين لهم الرفعة في الدنيا والآخرة، ومن سواهم فإنهم موضوعون بحسب بعدهم عن الإيمان والعلم، وتخفض أهل الجهل والعصيان، وكم من إنسان في الدنيا رفيع الجاه، معظم عند الناس يكون يوم القيامة من أحقر عباد الله، والجبارون المتكبرون يحشرون يوم القيامة كأمثال الذر يطؤهم الناس بأقدامهم، مع أنهم في الدنيا متبخترون مستكبرون عالون على عباد الله، لكنهم يوم القيامة موضوعون مهينون قد أخزاهم الله عز وجل.
(ابن عثيمين)

الثلاثاء، 27 مايو 2014

تدبر آية (٣٣)

{وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى - ١٧]  

*الدار الآخرة بما فيها من النعيم المقيم، خير من الدنيا وأبقى.
(التفسير الميسر)

*قوله تعالى {والآخرة خير وأبقى} أي {والدار الآخرة} أي الجنة. {خير} أي أفضل. {وأبقى} أي أدوم من الدنيا. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما الدنيا في الآخرة إلا كما يضع أحدكم أصبعه في اليم، فلينظر بم يرجع" صحيح.
وقال مالك بن دينار: لو كانت الدنيا من ذهب يفنى، والآخرة من خزف يبقى، لكان الواجب أن يؤثر خزف يبقى، على ذهب يفنى. قال: فكيف والآخرة من ذهب يبقى، والدنيا من خزف يفنى.
(القرطبي)

لسعيدُ يُرغبهُ اللهُ في الآخرةِ حتى يقُول: لا شيء غيرها، فإذا هضمَ دنياهُ وزهدَ فيها لآخرتهِ، لم يحرمهُ الله بذلكَ نصيبهُ من الدنيا ولم ينقصهُ من  سرورهِ فيها.
والشقي يرغبهُ الشيطانُ في الدنيا حتى يقول: لا شيء غيرها. فيجعلُ الله له النغيص في الدنيا التي آثر مع الخزي الذي يلقى بعدها.
(ابن المقفع)

الاثنين، 26 مايو 2014

تدبر آية (٣٢)

{حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [النمل - ١٨]
 
حتى إذا بلغوا وادي النمل قالت نملة: يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يهلكنَّكم سليمان وجنوده، وهم لا يعلمون بذلك.
(التفسير الميسر)
 
من عدل سليمان وفضله وفضل جنوده لا يحطمون نملة فما فوقها إلا بألا يشعروا.
(القرطبي)
 
قال أهل التفسير: علم النمل أن سليمان نبي ليس فيه جبرية ولا ظلم. ومعنى الآي : أنكم لو لم تدخلوا مساكنكم وطؤوكم ولم يشعروا بكم. ويروى أن سليمان لما بلغ وادي النمل حبس جنوده حتى دخل النمل بيوتهم.
(البغوي)
 
وإنما تعجب من أنها عرفت اسمه وأنها قالت: {وهم لا يشعرون} فوسمته وجنده بالصلاح والرأفة وأنهم لا يقتلون ما فيه روح لغير مصلحة، وهذا تنويه برأفته وعدله الشامل بكل مخلوق لا فساد منه أجراه الله على نملة ليعلم شرف العدل ولا يحتقر مواضعه وأن ولي الأمر إذا عدل سرى عدله في سائر الأشياء وظهرت آثاره فيها حتى كأنه معلوم عند ما لا إدراك له، فتسير أمور جميع الأمة على عدل.
(ابن عاشور)
 
ويكفي في فطنتها ما نص الله عز وجل في كتابه من قولها لجماعة النمل وقد رأت سليمان عليه الصلاة والسلام وجنوده {يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون}.
فتكلمت بعشرة أنواع من الخطاب في هذه النصيحة، النداء والتنبيه والتسمية والأمر والنص والتحذير والتخصيص والتفهيم والتعميم والاعتذار، فاشتملت نصيحتها مع الاختصار على هذه الأنواع العشرة، ولذلك أعجب سليمان قولها، وتبسم ضاحكاً منه، وسأل الله أن يوزعه شكر نعمته عليه لما سمع كلامها، ولا تستبعد هذه الفطنة من أمة من الأمم تسبح بحمد ربها.
(مفتاح دار السعادة لابن القيم)

الأحد، 25 مايو 2014

تدبر آية (٣١)

{ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف - ١٧] 
 
ثم لآتينَّهم من جميع الجهات والجوانب، فأصدهم عن الحق، وأُحسِّن لهم الباطل، وأرغبهم في الدنيا، وأشككهم في الآخرة، ولا تجد أكثر بني آدم شاكرين لك نعمتك.
(التفسير الميسر)
 
روى سفيان عن منصور عن الحكم بن عتيبة: {من بين أيديهم} من دنياهم. {ومن خلفهم} من آخرتهم. {وعن أيمانهم} يعني حسناتهم. {وعن شمائلهم} يعني سيئاتهم. قال النحاس: وهذا قول حسن وشرحه: أن معنى {ثم لآتينهم من بين أيديهم} من دنياهم، حتى يكذبوا بما فيها من الآيات وأخبار الأمم السالفة {ومن خلفهم} من آخرتهم حتى يكذبوا بها. {وعن أيمانهم} من حسناتهم وأمور دينهم. ويدل على هذا قوله: {إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين} {وعن شمائلهم} يعني سيئاتهم، أي يتبعون الشهوات؛ لأنه يزينها لهم.
(القرطبي)
 
قوله تعالى {ولا تجد أكثرهم شاكرين}، هذا الذي ذكر إبليس أنه سيوقع بني آدم فيه قاله ظنا منه أنهم سيطيعونه فيما يدعوهم إليه حتى يهلكهم، وقد بين تعالى في سورة "سبأ" أن ظنه هذا صدق فيهم بقوله {ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه} الآية.
(أضواء البيان)
 
قال قتادة: أتاك الشيطان يا ابن آدم من كل وجه غير أنه لم يأتك من فوقك لم يستطع أن يحول بينك وبين رحمة الله.
(إغاثة اللهفان - ابن القيم)

تدبر آية (٣٠)

{فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ} [الأعراف - ٨٣] 
 
فأنجى الله لوطًا وأهله من العذاب حيث أمره بمغادرة ذلك البلد، إلا امرأته، فإنها كانت من الهالكين الباقين في عذاب الله.
(التفسير الميسر)
 
{إلا امرأته كانت من الغابرين} يعني: الباقين في العذاب، وقيل: معناه كانت من الباقين المعمرين، قد أتى عليها دهر طويل فهلكت مع من هلك من قوم لوط، وإنما قال: {من الغابرين} لأنه أراد: ممن بقي من الرجال فلما ضم ذكرها إلى ذكر الرجال قال: {من الغابرين}.
(البغوي)
 
من رضي عمل قوم حُشر معهم، كما حُشرت امرأة لوط معهم؛ ولم تكن تعمل فاحشة اللواط، فإن ذلك لا يقع من المرأة! لكنها لما رضيت فعلهم؛ عمَّها العذاب معهم.
(ابن تيمية)

تدبر آية (٢٩)

{إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} [الحجر - ٩٥]
 
إنا كفيناك المستهزئين الساخرين من زعماء قريش، الذين اتخذوا شريكا مع الله من الأوثان وغيرها، فسوف يعلمون عاقبة عملهم في الدنيا والآخرة.
(التفسير الميسر)
 
{إنا كفيناك المستهزئين} بك وبما جئت به وهذا وعد من الله لرسوله، أن لا يضره المستهزئون، وأن يكفيه الله إياهم بما شاء من أنواع العقوبة. وقد فعل تعالى فإنه ما تظاهر أحد بالاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم وبما جاء به إلا أهلكه الله وقتله شر قتلة.
(ابن سعدي)
 
عن أنس رضي الله عنه، قال: "كان رجل نصرانيا فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران فكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فعاد نصرانيا فكان، يقول: ما يدري محمد إلا ما كتبت له فأماته الله فدفنوه فأصبح وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه لما هرب منهم نبشوا عن صاحبنا فألقوه فحفروا له فأعمقوا فأصبح وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه نبشوا عن صاحبنا لما هرب منهم فألقوه فحفروا له وأعمقوا له في الأرض ما استطاعوا فأصبح وقد لفظته الأرض فعلموا أنه ليس من الناس فألقوه".(صحيح البخاري)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (الصارم المسلول) معلقا على القصة: "فهذا الملعون الذي افترى على النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما كان يدري إلا ما كتب له؛ قصمه الله وفضحه بان أخرجه من القبر بعد أن دفن مرارا، وهذا أمر خارج عن العادة، يدل كل أحد على أن هذا عقوبة لما قاله، وأنه كان كاذبا، إذ كان عامة الموتى لا يصيبهم مثل هذا، وأن هذا الجرم أعظم من مجرد الارتداد، إذ كان عامة المرتدين يموتون ولا يصيبهم مثل هذا، وأن الله منتقم لرسوله صلى الله عليه وسلم ممن طعن عليه وسبه، ومظهر لدينه، ولكذب الكاذب إذا لم يمكن للناس أن يقيموا عليه الحد".

تدبر آية (٢٨)

{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك - ٢] 
 
الذي خلق الموت والحياة؛ ليختبركم -أيها الناس-: أيكم خيرٌ عملا وأخلصه؟ وهو العزيز الذي لا يعجزه شيء، الغفور لمن تاب من عباده. وفي الآية ترغيب في فعل الطاعات، وزجر عن اقتراف المعاصي.
(التفسير الميسر)
 
قدم الموت على الحياة، لأن أقوى الناس داعيا إلى العمل من نصب موته بين عينيه؛ فقدم لأنه فيما يرجع إلى الغرض المسوق له الآية أهم، قال العلماء: الموت ليس بعدم محض ولا فناء صرف، وإنما هو انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقته، وحيلولة بينهما، وتبدل حال وانتقال من دار إلى دار. والحياة عكس ذلك.
(القرطبي)

عن قتادة في قوله: {الذي خلق الموت والحياة} قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله أذل بني آدم بالموت، وجعل الدنيا دار حياة، ثم دار موت، وجعل الآخرة دار جزاء، ثم دار بقاء".
(ابن كثير)
 
قال فضيل بن عياض {أحسن عملا} أخلصه وأصوبه. وقال: العمل لا يقبل حتى يكون خالصا صوابا، الخالص: إذا كان لله، والصواب: إذا كان على السنة.  أي: أخلصه وأصوبه.
(البغوي)
 
{وهو العزيز} الذي له العزة كلها، التي قهر بها جميع الأشياء، وانقادت له المخلوقات.
{الغفور} عن المسيئين والمقصرين والمذنبين، خصوصًا إذا تابوا وأنابوا، فإنه يغفر ذنوبهم، ولو بلغت عنان السماء، ويستر عيوبهم، ولو كانت ملء الدنيا.
(ابن سعدي)

تدبر آية (٢٧)

{وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه - ١٣١]
 
ولا تنظر إلى ما مَتَّعْنا به هؤلاء المشركين وأمثالهم من أنواع المتع، فإنها زينة زائلة في هذه الحياة الدنيا، متعناهم بها؛ لنبتليهم بها، ورزق ربك وثوابه خير لك مما متعناهم به وأدوم؛ حيث لا انقطاع له ولا نفاد.
(التفسير الميسر)
 
يروى أن عروة بن الزبير رضي الله عنه كان إذا رأى شيئا من أخبار السلاطين وأحوالهم بادر إلى منزله فدخله، وهو يقرأ {ولا تمدن عينيك} الآية إلى قوله {وأبقى} ثم ينادي بالصلاة: الصلاة يرحمكم الله؛ ويصلي. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوقظ أهل داره لصلاة الليل ويصلي وهو يتمثل بالآية.
(تفسير القرطبي)
 
قوله: {ولا تمدن عينيك} إلى آخره يفيد أن ما يبدو للناظر من حسن شارتهم مشوب ومبطن بفتنة في النفس وشقاء في العيش وعقاب عليه في الآخرة، فذيل بأن الرزق الميسر من الله للمؤمنين خير من ذلك وأبقى في الدنيا ومنفعته باقية في الآخرة لما يقارنه في الدنيا من الشكر. فإضافة {رزق ربك} إضافة تشريف، وإلا فإن الرزق كله من الله، ولكن رزق الكافرين لما خالطه وحف به حال أصحابه من غضب الله عليهم، ولما فيه من التبعة على أصحابه في الدنيا والآخرة؛ لكفرانهم النعمة جعل كالمنكور انتسابه إلى الله، وجعل رزق الله هو السالم من ملابسة الكفران ومن تبعات ذلك.
(التحرير والتنوير)

قال أبي بن كعب: من لم يتعز بعزاء الله تقطعت نفسه حسرات، ومن يتبع بصره فيما في أيد الناس يطل حزنه، ومن ظن أن نعمة الله في مطعمه ومشربه وملبسه فقد قل عمله وحضر عذابه.
(تفسير البغوي)

تدبر آية (٢٦)

{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} [فاطر - ٣٢]
 
قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي في أضواء البيان:
من أرجى آيات القرآن العظيم قوله تعالى: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير * جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير * وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور * الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب}.
فقد بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن إيراث هذه الأمة لهذا الكتاب دليل على أن الله اصطفاها في قوله: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا} وبين أنهم ثلاثة أقسام:
الأول: الظالم لنفسه وهو الذي يطيع الله، ولكنه يعصيه أيضا فهو الذي قال الله فيه {خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم}.
والثاني: المقتصد وهو الذي يطيع الله، ولا يعصيه، ولكنه لا يتقرب بالنوافل من الطاعات.
والثالث: السابق بالخيرات وهو الذي يأتي بالواجبات ويجتنب المحرمات ويتقرب إلى الله بالطاعات والقربات التي هي غير واجبة، وهذا على أصح الأقوال في تفسير الظالم لنفسه، والمقتصد والسابق، ثم إنه تعالى بين أن إيراثهم الكتاب هو الفضل الكبير منه عليهم، ثم وعد الجميع بجنات عدن وهو لا يخلف الميعاد في قوله {جنات عدن يدخلونها} إلى قوله {ولا يمسنا فيها لغوب} والواو في {يدخلونها} شاملة للظالم، والمقتصد والسابق على التحقيق، ولذا قال بعض أهل العلم: حق لهذه الواو أن تكتب بماء العينين، فوعده الصادق بجنات عدن لجميع أقسام هذه الأمة، وأولهم الظالم لنفسه يدل على أن هذه الآية من أرجى آيات القرآن، ولم يبق من المسلمين أحد خارج عن الأقسام الثلاثة، فالوعد الصادق بالجنة في الآية شامل لجميع المسلمين؛ ولذا قال بعدها متصلا بها {والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور} إلى قوله {فما للظالمين من نصير}.
واختلف أهل العلم في سبب تقديم الظالم في الوعد بالجنة على المقتصد والسابق، فقال بعضهم: قدم الظالم لئلا يقنط، وأخر السابق بالخير لئلا يعجب بعمله فيحبط، وقال بعضهم: قدم الظالم لنفسه؛ لأن أكثر أهل الجنة الظالمون لأنفسهم، لأن الذين لم تقع منهم معصية أقل من غيرهم; كما قال تعالى {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم}.

تدبر آية (٢٥)

{كَلا إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق -  ٦ و٧]
 
حقًا إن الإنسان ليتجاوز حدود الله إذا أبطره الغنى.
(التفسير الميسر)
 
وعلة هذا الخلق أن الاستغناء تحدث صاحبه نفسه بأنه غير محتاج إلى غيره، وأن غيره محتاج فيرى نفسه أعظم من أهل الحاجة، ولا يزال ذلك التوهم يربو في نفسه حتى يصبو خلقا، حيث لا وازع يزعه من دين أو تفكير صحيح.
(ابن عاشور)
 
مما في الآية من لطف التعبير قوله تعالى: {أن رآه استغنى} أي أن الطغيان الذي وقع فيه عن وهم، تراءى له أنه استغنى سواء بماله أو بقوته؛ لأن حقيقة المال ولو كان جبالا، ليس له منه إلا ما أكل ولبس وأنفق.
وهل يستطيع أن يأكل لقمة واحدة إلا بنعمة العافية، فإذا مرض فماذا ينفعه ماله، وإذا أكلها وهل يستفيد منها إلا بنعمة من الله عليه.
ومن هذه الآية أخذ بعض الناس، أن الغني الشاكر أعظم من الفقير الصابر؛ لأن الغنى موجب للطغيان.
وقد قال بعض الناس: الصبر على العافية، أشد من الصبر على الحاجة.
(أضواء البيان)

تدبر آية (٢٤)

{يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} [مريم - ٢٨]
 
يا أخت الرجل الصالح هارون ما كان أبوك رجل سوء يأتي الفواحش، وما كانت أمك امرأة سوء تأتي البِغاء.
(التفسير الميسر)
 
{يا أخت هارون} الظاهر، أنه أخ لها حقيقي، فنسبوها إليه، وكانوا يسمون بأسماء الأنبياء وليس هو هارون بن عمران أخا موسى، لأن بينهما قرونا كثيرة.
(ابن سعدي)
 
قال {وما كانت أمك بغيا} ولم يقل: بغية، لأن ذلك مما يوصف به النساء دون الرجال، فجرى مجرى امرأة حائض وطالق.
(تفسير الطبري)
 
عن قتادة، قوله: {يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا} قال: كانت من أهل بيت يعرفون بالصلاح، ولا يعرفون بالفساد ومن الناس من يعرفون بالصلاح ويتوالدون به، وآخرون يعرفون بالفساد ويتوالدون به.
(تفسير الطبري)
 
في هذا دليل على أن نَضْج الأُسَرِ يؤثر في الأبناء، فحين نُكوِّن الأسرة المؤمنة والبيت الملتزم بشرع الله، وحين نحتضن الأبناء ونحوطهم بالعناية والرعاية، فسوف نستقبل جيلاً مؤمناً واعياً نافعاً لنفسه ولمجتمعه.
(محمد متولي الشعراوي)

تدبر آية (٢٣)

{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان - ٨]
 
ويُطْعِمون الطعام مع حبهم له وحاجتهم إليه، فقيرًا عاجزًا عن الكسب لا يملك من حطام الدنيا شيئًا، وطفلا مات أبوه ولا مال له، وأسيرًا أُسر في الحرب من المشركين وغيرهم.
(التفسير الميسر)
 
{ويطعمون الطعام على حبه} كان الربيع بن خثيم إذا جاءه السائل قال: أطعموه سكرا فإن الربيع يحب السكر.
(تفسير القرطبي)
 
وفي الصحيح: "أفضل الصدقة أن تصدق وأنت صحيح، شحيح، تأمل الغنى، وتخشى الفقر" أي: في حال محبتك للمال وحرصك عليه وحاجتك إليه؛ ولهذا قال تعالى: {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا}.
(تفسير ابن كثير)

تدبر آية (٢٢)

{فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الذاريات - ٥٠] 
 
ففروا -أيها الناس- من عقاب الله إلى رحمته بالإيمان به وبرسوله، واتباع أمره والعمل بطاعته، إني لكم نذير بيِّن الإنذار. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر، فزع إلى الصلاة، وهذا فرار إلى الله.
(التفسير الميسر)
 
{ففروا إلى الله} كل من خفت منه فررت منه إلا الله تعالى، فإنه بحسب الخوف منه، يكون الفرار إليه.
(ابن سعدي)
 
قال سهل بن عبد الله: فروا مما سوى الله إلى الله.
(تفسير البغوي)
 
جملة {إني لكم منه نذير مبين} تعليل للأمر بفروا إلى الله باعتبار أن الغاية من الإنذار قصد السلامة من العقاب فصار الإنذار بهذا الاعتبار تعليلا للأمر بالفرار إلى الله، أي التوجه إليه وحده.
(ابن عاشور)

تدبر آية (٢١)

{كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} [النازعات - ٤٦]
 
كأنهم يوم يرون قيام الساعة لم يلبثوا في الحياة الدنيا؛ لهول الساعة إلا ما بين الظهر إلى غروب الشمس، أو ما بين طلوع الشمس إلى نصف النهار.
(التفسير الميسر)
 
{إلا عشية أو ضحاها} قال قتادة: وقت الدنيا في أعين القوم حين عاينوا الآخرة.
(ابن كثير)
 
{إلا عشية أو ضحاها} العشية: ما بين الزوال إلى الغروب، والضحى: ما بين طلوع الشمس إلى الزوال، وهذا تحديد بنصف نهار.
(أضواء البيان)
 
تنطوي هذه الحياة الدنيا التي يتقاتل عليها أهلها ويتطاحنون. والتي يؤثرونها ويدعون في سبيلها نصيبهم في الآخرة. والتي يرتكبون من أجلها ما يرتكبون من الجريمة والمعصية والطغيان. والتي يجرفهم الهوى فيعيشون له فيها.. تنطوي هذه الحياة في نفوس أصحابها أنفسهم، فإذا هي عندهم عشية أو ضحاها.
هذه هي: قصيرة عاجلة، هزيلة ذاهبة، زهيدة تافهة.. أفمن أجل عشية أو ضحاها يضحون بالآخرة؟ ومن أجل شهوة زائلة يدعون الجنة مثابة ومأوى!
ألا إنها الحماقة الكبرى. الحماقة التي لا يرتكبها إنسان. يسمع ويرى!
(في ظلال القرآن)

تدبر آية (٢٠)

{وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا}  [الفرقان - ٣٠] 

وقال الرسول شاكيًا ما صنع قومه: يا ربِّ إن قومي تركوا هذا القرآن وهجروه، متمادين في إعراضهم عنه وتَرْكِ تدبُّره والعمل به وتبليغه. وفي الآية تخويف عظيم لمن هجر القرآن فلم يعمل به.
(التفسير الميسر)
 
هجر القرآن أنواع:
أحدهما: هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه.
والثاني: هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه، وإن قرأه وآمن به.
والثالث: هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه واعتقاد أنه لا يفيد اليقين، وأن أدلته لفظية لا تحصّل العلم.
والرابع: هجر تدبّره وتفهّمه ومعرفة ما أراد المتكلم به منه.
والخامس: هجر الاستشفاء والتداوي في جميع أمراض القلوب وأدوائها, فيطلب شفاء دائه من غيره, ويهجر التداوي به.
وكل هذا داخل في قوله :{وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا} وإن كان بعض الهجر أهون من بعض.
(كتاب الفوائد لابن القيم)

تدبر آية (١٩)

{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة - ٤٥]
 
واستعينوا في كل أموركم بالصبر بجميع أنواعه، وكذلك الصلاة. وإنها لشاقة إلا على الخاشعين.
(التفسير الميسر)
 
أمرهم الله أن يستعينوا في أمورهم كلها بالصبر بجميع أنواعه، وهو الصبر على طاعة الله حتى يؤديها، والصبر عن معصية الله حتى يتركها، والصبر على أقدار الله المؤلمة فلا يتسخطها، فبالصبر وحبس النفس على ما أمر الله بالصبر عليه معونة عظيمة على كل أمر من الأمور، ومن يتصبر يصبره الله، وكذلك الصلاة التي هي ميزان الإيمان، وتنهى عن الفحشاء والمنكر، يستعان بها على كل أمر من الأمور.
(ابن سعدي)
 
قوله تعالى: {واستعينوا بالصبر والصلاة} الاستعانة بالصبر على أمور الدنيا والآخرة لا إشكال فيها، وأما نتيجة الاستعانة بالصلاة، فقد أشار لها تعالى في آيات من كتابه، فذكر أن من نتائج الاستعانة بها النهي عما لا يليق، وذلك في قوله: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر}، وأنها تجلب الرزق وذلك في قوله: {وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى}، ولذا كان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر بادر إلى الصلاة.
(أضواء البيان)

تدبر آية (١٨)

{حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر - ٢]
 
واستمر اشتغالكم بذلك إلى أن صرتم إلى المقابر، ودُفنتم فيها.
(التفسير الميسر)
 
قوله: {حتى زرتم المقابر} أن البرزخ دار مقصود منها النفوذ إلى الدار الباقية، أن الله سماهم زائرين، ولم يسمهم مقيمين.
(ابن سعدي)
 
قوله: {حتى زرتم المقابر} يعني: حتى صرتم إلى المقابر فدفنتم فيها؛ وفي هذا دليل على صحة القول بعذاب القبر؛ لأن الله تعالى ذكره، أخبر عن هؤلاء القوم الذين ألهاهم التكاثر، أنهم سيعلمون ما يلقون إذا هم زاروا القبور وعيدا منه لهم وتهددا.
(الطبري)
 
لم يأت في التنزيل ذكر المقابر إلا في هذه السورة. وزيارتها من أعظم الدواء للقلب القاسي؛ لأنها تذكر الموت والآخرة. وذلك يحمل على قصر الأمل، والزهد في الدنيا، وترك الرغبة فيها. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروا القبور، فإنها تزهد في الدنيا، وتذكر الآخرة" رواه ابن مسعود؛ أخرجه ابن ماجه.
قال العلماء: ينبغي لمن أراد علاج قلبه وانقياده بسلاسل القهر إلى طاعة ربه، أن يكثر من ذكر هاذم اللذات، ومفرق الجماعات، وموتم البنين والبنات، ويواظب على مشاهدة المحتضرين، وزيارة قبور أموات المسلمين. فهذه ثلاثة أمور، ينبغي لمن قسا قلبه، ولزمه ذنبه، أن يستعين بها على دواء دائه، ويستصرخ بها على فتن الشيطان وأعوانه.
(القرطبي)

تدبر آية (١٧)

{إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الإنسان:٣]

إنا بينَّا له وعرَّفناه طريق الهدى والضلال والخير والشر؛ ليكون إما مؤمنًا شاكرًا، وإما كفورًا جاحدًا.
(التفسير الميسر)

جمع بين الشاكر والكفور، ولم يجمع بين الشكور والكفور مع اجتماعهما في معنى المبالغة؛نفيا للمبالغة في الشكر وإثباتا لها في الكفر؛ لأن شكر الله تعالى لا يؤدى، فانتفت عنه المبالغة، ولم تنتف عن الكفر المبالغة، فقل شكره، لكثرة النعم عليه وكثرة كفره وإن قل مع الإحسان إليه. حكاه الماوردي.
(تفسير القرطبي)

قال العلماء: هناك ثلاث نعم لا كسب للعبد فيها: 
الأولى: وجوده بعد العدم. وهو تفضل من الله تعالى كما قال: {لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير}، ومن جعله الله عقيما فلن ينجب قط.
الثانية: نعمة الإيمان. كما في قوله تعالى: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء}.
الثالثة: دخول الجنة.  كما في الحديث : "لن يدخل أحدكم الجنة بعمله" . قالوا : ولا أنت يا رسول الله؟ قال: "ولا أنا؛ إلا أن يتغمدني الله برحمته ".
(أضواء البيان - بتصرف)

تدبر آية (١٦)

{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات - ١٠]

إنما المؤمنون إخوة في الدين، فأصلحوا بين أخويكم إذا اقتتلا وخافوا الله في جميع أموركم؛ رجاء أن تُرحموا. 
(التفسير الميسر)

{وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما}  فسماهم مؤمنين مع الاقتتال. وبهذا استدل البخاري وغيره على أنه لا يخرج من الإيمان بالمعصية وإن عظمت، لا كما يقوله الخوارج ومن تابعهم من المعتزلة ونحوهم.
(ابن كثير)

والمخاطب بقوله : {واتقوا الله لعلكم ترحمون} جميع المؤمنين فيشمل الطائفتين الباغية والمبغي عليها، ويشمل غيرهما ممن أمروا بالإصلاح بينهما ومقاتلة الباغية، فتقوى كل بالوقوف عند ما أمر الله به كلا مما يخصه، وهذا يشبه التذييل. 
(ابن عاشور)

{لعلكم ترحمون} وإذا حصلت الرحمة، حصل خير الدنيا والآخرة، ودل ذلك، على أن عدم القيام بحقوق المؤمنين، من أعظم حواجب الرحمة.
(ابن سعدي)

تدبر آية (١٥)

{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية - ٢١]

بل أظنَّ الذين اكتسبوا السيئات، وكذَّبوا رسل الله، وخالفوا أمر ربهم، وعبدوا غيره، أن نجعلهم كالذين آمنوا بالله، وصدقوا رسله وعملوا الصالحات، وأخلصوا له العبادة دون سواه، ونساويَهم بهم في الدنيا والآخرة؟ ساء حكمهم بالمساواة بين الفجار والأبرار في الآخرة. 
(التفسير الميسر)

واعلم أن هذه الآية وإن كان موردها في تخالف حالي المشركين والمؤمنين فإن نوط الحكم فيها بصلة الذين اجترحوا السيئات يجعل منها إيماء إلى تفاوت حالي المسيئين والمحسنين من أهل الإيمان وإن لم يحسب أحد من المؤمنين ذلك.
(ابن عاشور)

قال ابن عطية: وأما لفظها فيعطي أنه اجتراح الكفر، بدليل معادلته بالإيمان، ويحتمل أن تكون المعادلة هي بالاجتراح وعمل الصالحات، ويكون الإيمان في الفريقين، ولهذا بكى الخائفون. 
(التفسير الكبير المسمى البحر المحيط)

عن مسروق قال: قال رجل من أهل مكة: هذا مقام تميم الداري، لقد رأيته ذات ليلة حتى أصبح أو قرب أن يصبح يقرأ آية من كتاب الله ويركع ويسجد ويبكي {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات} الآية كلها.
وقال بشير: بت عند الربيع بن خيثم ذات ليلة فقام يصلي فمر بهذه الآية فمكث ليله حتى أصبح لم يعدها ببكاء شديد.
وقال إبراهيم بن الأشعث: كثيرا ما رأيت الفضيل بن عياض يردد من أول الليل إلى آخره هذه الآية ونظيرها، ثم يقول: ليت شعري! من أي الفريقين أنت؟
وكانت هذه الآية تسمى مبكاة العابدين لأنها محكمة.
(تفسير القرطبي)

تدبر آية (١٤)

{مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم - ٢]

ما حاد محمد صلى الله عليه وسلم عن طريق الهداية والحق، وما خرج عن الرشاد، بل هو في غاية الاستقامة والاعتدال والسداد.
(التفسير الميسر)

قال بعض العلماء: الضلال يقع من الجهل بالحق، والغي هو العدول عن الحق مع معرفته، أي ما جهل الحق وما عدل عنه، بل هو عالم بالحق متبع له.
(أضواء البيان)

{ما ضل صـاحبكم} أي: ما جهل، {وما غوى } أي: ما عاند، لأن مخالفة الحق إما أن تكون عن جهل، وأما أن تكون عن غي، قال الله تعالى: {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي} فإذا انتفى عن النبي صلى الله عليه وسلم الجهل، وانتفى عنه الغي تبين أن منهجه صلى الله عليه وسلم علم ورشد، علم ضد الجهل وهو الضلال، {ما ضل صـاحبكم } ورشد ضد الغي {قد تبين الرشد من الغي}.
(ابن عثيمين)

تدبر آية (١٣)

{أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف - ٣٢] 
 
أهم يقسمون النبوة فيضعونها حيث شاؤوا؟ نحن قسمنا بينهم معيشتهم في حياتهم الدنيا من الأرزاق والأقوات, ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات: هذا غنيٌّ وهذا فقير، وهذا قويٌّ وهذا ضعيف؛ ليكون بعضهم مُسَخَّرًا لبعض في المعاش. ورحمة ربك -أيها الرسول- بإدخالهم الجنة خير مما يجمعون من حطام الدنيا الفاني.
(التفسير الميسر)

روي أن الوليد بن المغيرة -وكان يسمى ريحانة قريش- كان يقول: لو كان ما يقوله محمد حقا لنزل علي أو على أبي مسعود، فقال الله تعالى: {أهم يقسمون رحمة ربك} يعني النبوة فيضعونها حيث شاءوا. {نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا} أي : أفقرنا قوما وأغنينا قوما، فإذا لم يكن أمر الدنيا إليهم فكيف يفوض أمر النبوة إليهم.
(القرطبي)
 
رأيت الناس يذم بعضهم بعضا، ويغتاب بعضهم بعضا، فوجدت أصل ذلك من الحسد في المال والجاه والعلم، فتأملت في قوله تعالى: {نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا} فعلمت أن القسمة كانت من الله في الأزل، فما حسدت أحدا، ورضيت بقسمة الله تعالى.
(حاتم الأصم)

تدبر آية (١٢)

{وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا} [الإنسان - ١٩]
 
ويدور على هؤلاء الأبرار لخدمتهم غلمان دائمون على حالهم، إذا أبصرتهم ظننتهم -لحسنهم وصفاء ألوانهم وإشراق وجوههم- اللؤلؤ المفرَّق المضيء.
(التفسير الميسر)
 
قوله: {إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا} أي: إذا رأيتهم في انتشارهم في قضاء حوائج السادة، وكثرتهم، وصباحة وجوههم، وحسن ألوانهم وثيابهم وحليهم، حسبتهم لؤلؤا منثورا. ولا يكون في التشبيه أحسن من هذا، ولا في المنظر أحسن من اللؤلؤ المنثور على المكان الحسن.
قال قتاده، عن أبي أيوب، عن عبد الله بن عمرو: ما من أهل الجنة من أحد إلا يسعى عليه ألف خادم، كل خادم على عمل ما عليه صاحبه.
(ابن كثير)
 
قوله تعالى: {حسبتهم لؤلؤا منثورا} قال الإمام الفخر: وفي كيفية التشبيه وجوه:
أحدها: أنهم شبهوا في حسنهم، وصفاء ألوانهم، وانبثاثهم في مجالسهم ومنازلهم في أنواع الخدمة باللؤلؤ المنثور، ولو كانوا صفا لشبهوا باللؤلؤ المنظوم ألا ترى أنه تعالى قال: {ويطوف عليهم ولدان} فإذا كانوا يطوفون كانوا متناثرين.
الثاني: أن هذا من التشبيه العجيب لأن اللؤلؤ إذا كان متفرقا يكون أحسن في المنظر لوقوع شعاع بعضه على بعض.
الثالث: أنهم شبهوا باللؤلؤ الرطب إذا نثر من صدفه لأنه أحسن وأجمل، انتهى.
(تفسير الثعالبي)

تدبر آية (١١)

{وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران - ١٣٩]
 
ولا تضْعُفوا -أيها المؤمنون- عن قتال عدوك، ولا تحزنوا لما أصابكم في "أُحد"، وأنتم الغالبون والعاقبة لكم، إن كنتم مصدقين بالله ورسوله متَّبعين شرعه.
(التفسير الميسر)
 
في هذه الآية بيان فضل هذه الأمة؛ لأنه خاطبهم بما خاطب به أنبياءه؛ لأنه قال لموسى: {إنك أنت الأعلى} وقال لهذه الأمة: {وأنتم الأعلون}. وهذه اللفظة مشتقة من اسمه الأعلى فهو سبحانه العلي، وقال للمؤمنين: {وأنتم الأعلون}.
(تفسير القرطبي)
 
قوله {وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين} الواو للعطف، وهذه بشارة لهم بالنصر المستقبل، فالعلو هنا مجازي وهو علو المنزلة.
(ابن عاشور)
 
{وأنتم الأعلون} هي جملة حالية؛ أي: والحال أنكم الأعلون عليهم وعلى غيرهم بعد هذه الوقعة. وقد صدق الله وعده فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد وقعة أحد ظفر بعدوه في جميع وقعاته.
(فتح القدير)

تدبر آية (١٠)

{وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ}  [الفلق -   ٣]

ومن شر ليل شديد الظلمة إذا دخل وتغلغل، وما فيه من الشرور والمؤذيات.
(التفسير الميسر)

قال مجاهد: غاسقُ الليلُ إذا وقبَ غُروبُ الشمس.
(تفسير ابن كثير)

قال قتادة: إذا وقب إذا غاب. وهو أصح؛ لأن في الترمذي عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى القمر، فقال: "يا عائشة، استعيذي بالله من شر هذا، فإن هذا هو الغاسق إذا وقب". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وقال أحمد بن يحيى ثعلب عن ابن الأعرابي في تأويل هذا الحديث: وذلك أن أهل الريب يتحينون وجبة القمر.
(تفسير القرطبي)

تدبر آية (٩)

{وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا} [الكهف - ٨٠]

وأما الغلام الذي قتلته فكان في علم الله كافرًا، وكان أبوه وأمه مؤمِنَيْن، فخشينا لو بقي الغلام حيًا لَحمل والديه على الكفر والطغيان؛ لأجل محبتهما إياه أو للحاجة إليه.
(التفسير الميسر)

قال قتادة: قد فرح به أبواه حين ولد، وحزنا عليه حين قتل، ولو بقي كان فيه هلاكهما، فليرض امرؤ بقضاء الله، فإن قضاء الله للمؤمن فيما يكره خير له من قضائه فيما يحب.
(ابن كثير)

قال سعيد بن جبير: فخشينا أن يحملهما حبه على أن يتابعاه على دينه. 
(تفسير البغوي)

تدبر آية (٨)

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الأنفال - ٢٩]
 
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه إن تتقوا الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه يجعل لكم فصلا بين الحق والباطل، ويَمحُ عنكم ما سلف من ذنوبكم ويسترها عليكم، فلا يؤاخذكم بها. والله ذو الفضل العظيم.
(التفسير الميسر)
 
امتثال العبد لتقوى ربه عنوان السعادة، وعلامة الفلاح، وقد رتب اللّه على التقوى من خير الدنيا والآخرة شيئا كثيرا، فذكر هنا أن من اتقى اللّه حصل له أربعة أشياء، كل واحد منها خير من الدنيا وما فيها:
الأول: الفرقان: وهو العلم والهدى الذي يفرق به صاحبه بين الهدى والضلال، والحق والباطل، والحلال والحرام، وأهل السعادة من أهل الشقاوة.
الثاني والثالث: تكفير السيئات، ومغفرة الذنوب، وكل واحد منهما داخل في الآخر عند الإطلاق وعند الاجتماع يفسر تكفير السيئات بالذنوب الصغائر، ومغفرة الذنوب بتكفير الكبائر.
الرابع: الأجر العظيم والثواب الجزيل لمن اتقاه وآثر رضاه على هوى نفسه. {وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}
(ابن سعدي)

تدبر آية (٧)

{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}  [الزمر -  ٥٣]
 
قل -أيها الرسول- لعبادي الذين تمادَوا في المعاصي، وأسرفوا على أنفسهم بإتيان ما تدعوهم إليه نفوسهم من الذنوب: لا تَيْئسوا من رحمة الله؛ لكثرة ذنوبكم، إن الله يغفر الذنوب جميعًا لمن تاب منها ورجع عنها مهما كانت، إنه هو الغفور لذنوب التائبين من عباده، الرحيم بهم.
(التفسير الميسر)
 
قال البغوي في تفسيره -وساق بالسند إلى عكرمة بن عمار- حدثنا ضمضم بن جوس قال: دخلت مسجد المدينة فناداني شيخ، فقال: يا يماني تعال، وما أعرفه، فقال: لا تقولن لرجل: والله لا يغفر الله لك أبدا، ولا يدخلك الله الجنة، قلت: ومن أنت يرحمك الله؟ قال : أبو هريرة، قال فقلت: إن هذه الكلمة يقولها أحدنا لبعض أهله إذا غضب أو لزوجته أو لخادمه، قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن رجلين كانا في بني إسرائيل متحابين أحدهما مجتهد في العبادة والآخر يقول كأنه مذنب، فجعل يقول: أقصر أقصر عما أنت فيه، قال فيقول: خلني وربي، قال: حتى وجده يوما على ذنب استعظمه، فقال: أقصر، فقال: خلني وربي أبعثت علي رقيبا؟ فقال: والله لا يغفر الله لك أبدا، ولا يدخلك الجنة أبدا. قال: فبعث الله إليهما ملكا فقبض أرواحهما فاجتمعا عنده، فقال للمذنب: ادخل الجنة برحمتي، وقال للآخر: أتستطيع أن تحظر على عبدي رحمتي؟ فقال: لا يا رب، فقال: اذهبوا به إلى النار" قال أبو هريرة: والذي نفسي بيده لتكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته.
 
أخرج ابن جرير عن ابن سيرين قال: قال علي: أي آية أوسع؟ فجعلوا يذكرون آيات من القرآن (ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه) [النساء: ١١] الآية ونحوها، فقال علي: ما في القرآن أوسع من (يا عبادي) الآية .
(فتح القدير)
 
ليس بينه -وقد أسرف في المعصية، ولج في الذنب، وأبق عن الحمى، وشرد عن الطريق - ليس بينه وبين الرحمة الندية الرخية، وظلالها السمحة المحيية. ليس بينه وبين هذا كله إلا التوبة. التوبة وحدها. الأوبة إلى الباب المفتوح الذي ليس عليه بواب يمنع، والذي لا يحتاج من يلج فيه إلى استئذان.
(في ظلال القرآن)

تدبر آية (٦)

{وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت - آية ٣٤ و٣٥]
 
ولا تستوي حسنة الذين آمنوا بالله, واستقاموا على شرعه، وأحسنوا إلى خلقه، وسيئة الذين كفروا به وخالفوا أمره، وأساؤوا إلى خلقه.
ادفع بعفوك وحلمك وإحسانك مَن أساء إليك، وقابل إساءته لك بالإحسان إليه، فبذلك يصير المسيء إليك الذي بينك وبينه عداوة كأنه قريب لك شفيق عليك.
وما يُوفَّق لهذه الخصلة الحميدة إلا الذين صبروا أنفسهم على ما تكره، وأجبروها على ما يحبه الله، وما يُوفَّق لها إلا ذو نصيب وافر من السعادة في الدنيا والآخرة.
(التفسير الميسر)
 
{ولا تستوي الحسنة ولا السيئة} أي: فرق عظيم بين هذه وهذه، {ادفع بالتي هي أحسن} أي: من أساء إليك فادفعه عنك بالإحسان إليه، كما قال عمر رضي الله عنه: ما عاقبت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه.
قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في تفسير هذه الآية: أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان، وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم.
(تفسير ابن كثير)
 
قال مقاتل: نزلت في أبي سفيان بن حرب كان معاديا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فصار له وليا بالمصاهرة التي وقعت بينه وبينه، ثم أسلم فصار وليا في الإسلام حميما بالمصاهرة، وقيل: غير ذلك، والأولى حمل الآية على العموم.
(فتح القدير)
 
تأملوا أيها العارفون باللغة العربية كيف جاءت النتيجة بـ (إذا) الفجائية تدل على الحدث الفوري في نتيجتها {فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} ولكن هل كل أحد يوفق إلى ذلك؟ لا {وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم}.
(ابن عثيمين - مكارم الأخلاق)

تدبر آية (٥)

{وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأنعام - ١٢٩]
 
وكما سلَّطْنا شياطين الجن على كفار الإنس, فكانوا أولياء لهم, نسلِّط الظالمين من الإنس بعضهم على بعض في الدنيا؛ بسبب ما يعملونه من المعاصي.
(التفسير الميسر)
 
وهذا تهديد للظالم إن لم يمتنع من ظلمه سلط الله عليه ظالما آخر. ويدخل في الآية جميع من يظلم نفسه أو يظلم الرعية، أو التاجر يظلم الناس في تجارته أو السارق وغيرهم.
وقال فضيل بن عياض: إذا رأيت ظالما ينتقم من ظالم فقف وانظر فيه متعجبا.
وقال ابن عباس: إذا رضي الله عن قوم ولى أمرهم خيارهم، وإذا سخط الله على قوم ولى أمرهم شرارهم.
وفي الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم: من أعان ظالما سلطه الله عليه.
(تفسير القرطبي)
 
والذنب ذنب الظالم، فهو الذي أدخل الضرر على نفسه، وعلى نفسه جنى {وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ} ومن ذلك، أن العباد إذا كثر ظلمهم وفسادهم، ومنْعهم الحقوق الواجبة، ولَّى عليهم ظلمة، يسومونهم سوء العذاب، ويأخذون منهم بالظلم والجور أضعاف ما منعوا من حقوق الله، وحقوق عباده، على وجه غير مأجورين فيه ولا محتسبين.
كما أن العباد إذا صلحوا واستقاموا، أصلح الله رعاتهم، وجعلهم أئمة عدل وإنصاف، لا ولاة ظلم واعتساف.
(ابن سعدي)

تدبر آية (٤)

{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف - ٥٥]
 
ادعوا -أيها المؤمنون- ربكم متذللين له خفية وسرًّا، وليكن الدعاء بخشوع وبُعْدٍ عن الرياء. إن الله تعالى لا يحب المتجاوزين حدود شرعه، وأعظم التجاوز الشرك بالله، كدعاء غير الله من الأموات والأوثان، ونحو ذلك. (التفسير الميسر)
 
عن أبي موسى قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة، فأشرفوا على واد يكبرون ويهللون ويرفعون أصواتهم، فقال: "أيها الناس، اربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا! إنكم تدعون سميعا قريبا وهو معكم".
وعن ابن عباس: {إنه لا يحب المعتدين}، في الدعاء ولا في غيره قال ابن جريج : إن من الدعاء اعتداء، يكره رفع الصوت والنداء والصياح بالدعاء، ويؤمر بالتضرع والاستكانة. 
(تفسير الطبري)
 
قال الحسن بن أبي الحسن: لقد أدركنا أقواما ما كان على الأرض عمل يقدرون على أن يكون سرا فيكون جهرا أبدا.
الاعتداء في الدعاء على وجوه: منها الجهر الكثير والصياح، ومنها أن يدعو الإنسان في أن تكون له منزلة نبي، أو يدعو في محال؛ ونحو هذا من الشطط.
ومنها أن يدعو طالبا معصية وغير ذلك. ومنها أن يدعو بما ليس في الكتاب والسنة؛ فيتخير ألفاظا مفقرة وكلمات مسجعة قد وجدها في كراريس لا أصل لها ولا معول عليها، فيجعلها شعاره ويترك ما دعا به رسوله عليه السلام. وكل هذا يمنع من استجابة الدعاء.
(تفسير القرطبي بتصرف)
 
التضرع من الضراعة، وهي الذلة والخشوع والاستكانة، والخفية : الإسرار به، فإن ذلك أقطع لعرق الرياء، وأحسم لباب ما يخالف الإخلاص، ثم علل ذلك بقوله: إنه لا يحب المعتدين أي المجاوزين لما أمروا به في الدعاء وفي كل شيء، فمن جاوز ما أمره الله به في شيء من الأشياء فقد اعتدى، والله لا يحب المعتدين، وتدخل المجاوزة في الدعاء في هذا العموم دخولا أوليا
 (فتح القدير)
 
الدعاء يدخل فيه دعاء المسألة، ودعاء العبادة، فأمر بدعائه {تَضَرُّعًا} أي: إلحاحا في المسألة، ودُءُوبا في العبادة، {وَخُفْيَةً} أي: لا جهرا وعلانية، يخاف منه الرياء، بل خفية وإخلاصا للّه تعالى. 
(ابن سعدي)

تدبر آية (٣)

{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد ٢٤]

أفلا يتدبر هؤلاء المنافقون مواعظ القرآن ويتفكرون في حججه؟ بل هذه القلوب مغلَقة لا يصل إليها شيء من هذا القرآن، فلا تتدبر مواعظ الله وعبره.
(التفسير الميسر)

حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها}، فقال شاب من أهل اليمن: بل عليها أقفالها حتى يكون الله عز وجل يفتحها أو يفرجها. فما زال الشاب في نفس عمر رضي الله عنه حتى ولي، فاستعان به.
(ابن كثير)

{أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} فلا تفهم مواعظ القرآن وأحكامه، و "أم" بمعنى "بل". (تفسير البغوي)

{أم على قلوب أقفالها} أي: قد أغلق على ما فيها من الشر وأقفلت، فلا يدخلها خير أبدا؟ هذا هو الواقع. (ابن سعدي)

إعراض كثير من الأقطار عن النظر في كتاب الله وتفهمه والعمل به وبالسنة الثابتة المبينة له، من أعظم المناكر وأشنعها، وإن ظن فاعلوه أنهم على هدى.  (أضواء البيان)

تدبر آية (٢)

{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا} [الإسراء -  ٨١]
 
وننزل من آيات القرآن العظيم ما يشفي القلوب مِنَ الأمراض، كالشك والنفاق والجهالة، وما يشفي الأبدان برُقْيتها به، وما يكون سببًا للفوز برحمة الله بما فيه من الإيمان، ولا يزيد هذا القرآن الكفار عند سماعه إلا كفرًا وضلالا؛ لتكذيبهم به وعدم إيمانهم. (التفسير الميسر)

{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ} اختلف أهل العلم في معنى كونه شفاء على قولين: الأول :أنه شفاء للقلوب بزوال الجهل عنها وذهاب الريب، وكشف الغطاء عن الأمور الدالة على الله سبحانه.
القول الثاني: أنه شفاء من الأمراض الظاهرة بالرقى والتعوذ ونحو ذلك، ولا مانع من حمل الشفاء على المعنيين من باب عموم المجاز، أو من باب حمل المشترك على معنييه. (فتح القدير)
 
{وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} تفريج الكروب وتطهير العيوب وتكفير الذنوب مع ما تفضل به تعالى من الثواب في تلاوته؛ كما روى الترمذي عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول الم حرف بل ألف حرف ولام حرف وميم حرف). (تفسير القرطبي)
 
قال قتادة في قوله: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} إذا سمعه المؤمن انتفع به وحفظه ووعاه {وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا} إنه لا ينتفع به ولا يحفظه ولا يعيه، فإن الله جعل هذا القرآن شفاء، ورحمة للمؤمنين. (ابن كثير)

تدبر آية (١)

{وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم - ٣٤]

وأعطاكم من كل ما طلبتموه، وإن تعدُّوا نِعَم الله عليكم لا تطيقوا عدها ولا إحصاءها ولا القيام بشكرها؛ لكثرتها وتنوُّعها. إن الإنسان لَكثير الظلم لنفسه، كثير الجحود لنعم ربه. (التفسير الميسر)

قوله: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} يخبر عن عجز العباد عن تعداد النعم فضلا عن القيام بشكرها، كما قال طلق بن حبيب رحمه الله: إن حق الله أثقل من أن يقوم به العباد، وإن نعم الله أكثر من أن يحصيها العباد، ولكن أصبحوا توابين وامسُوا توابين.
وفي صحيح البخاري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللهم لك الحمد غير مَكْفِيّ ولا مودَعِ، ولا مستغنىً عنه، ربَّنا"
وقد روي في الأثر: أن داود عليه السلام، قال: يارب، كيف أشكرك وشكري لك نعمة منك علي؟ فقال الله تعالى: الآن شكرتني يا داود، أي: حين اعترفت بالتقصير عن أداء شكر النعم. (تفسير ابن كثير)

{إِنَّ الإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} أي: ظالم لنفسه بالمعصية، كافرٌ بربّه عز وجل في نعمته. وقيل: الظلوم، الذي يشكر غير من أنعم عليه، والكافر: من يجحد مُنْعِمَه. (تفسير البغوي)